فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{وَإبْراهيمَ إذْ قالَ لقَوْمه} كلام مستأنف لسوق قصة ثانية بعد قصة نوح والطوفان. وإبراهيم منصوب بفعل محذوف تقديره أذكر، وإذ الظرف بدل اشتمال من إبراهيم ولك أن تجعله كلاما معطوفا فتعطف إبراهيم على نوحا وتعلق الظرف بأرسلنا والمعنى عندئذ أرسلنا إبراهيم حين بلغ من السن مبلغا يخاطب فيه قومه بعبارات الوعظ والإرشاد، وجملة قال لقومه في محل جر بإضافة الظرف إليها ولقومه متعلقان بقال.
{اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الجملة مقول قول إبراهيم لقومه، واعبدوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ولفظ الجلالة مفعوله واتقوه عطف على اذكروا اللّه وذلكم مبتدأ وخير خبر ولكم متعلقان بخير وإن شرطية وكنتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها وجملة تعلمون خبرها وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي فاعبدوا اللّه واتقوه.
{إنَّما تَعْبُدُونَ منْ دُون اللَّه أَوْثانًا وَتَخْلُقُونَ إفْكًا} إنما كافة ومكفوفة وتعبدون فعل مضارع وفاعل ومن دون اللّه حال وأوثانا مفعول به وتخلقون إفكا عطف على ما قبله ويجوز في الإفك أن يكون مصدرا وأن يكون صفة أي خلقا إفكا أي ذا إفك وباطل.
{إنَّ الَّذينَ تَعْبُدُونَ منْ دُون اللَّه لا يَمْلكُونَ لَكُمْ رزْقًا} إن واسمها وجملة تعبدون صلة ومن دون اللّه حال وجملة لا يملكون خبر إن ولكم متعلقان برزقا ورزقا مفعول به ليملكون لأنه بمعنى المرزوق أو مصدر مؤول من إن والفعل أن لا يقدرون أن يرزقوكم ويجوز نصبه على المصدر وناصبه لا يملكون لأنه في معناه.
{فَابْتَغُوا عنْدَ اللَّه الرّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إلَيْه تُرْجَعُونَ} الفاء الفصيحة وابتغوا فعل أمر وفاعل وعند اللّه متعلقان بابتغوا والرزق مفعول ابتغوا واعبدوه واشكروا له عطف على ابتغوا واليه متعلقان بترجعون وترجعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.
{وَإنْ تُكَذّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَم منْ قَبْلكُمْ وَما عَلَى الرَّسُول إلَّا الْبَلاغُ الْمُبينُ} عطف على ما تقدم منتظم في سلك حديث إبراهيم عليه السلام لقومه، وان شرطية وتكذبوا فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل، فقد الفاء رابطة للجواب لاقترانه بقد وكذب أمم فعل وفاعل ومن قبلكم صفة لأمم وقيل جواب الشرط محذوف أي فلا يضرني تكذيبكم فقد كذّب أمم من قبلكم أنبياءهم ورسلهم، وما الواو حالية أو استئنافية وما نافية وعلى الرسول خبر مقدم وإلا أداة حصر والبلاغ مبتدأ مؤخر والمبين صفة لبلاغ.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ إنَّ ذلكَ عَلَى اللَّه يَسير} الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة على محذوف يقتضيه السياق ولم حرف نفي وجزم وقلب وكيف اسم استفهام في محل نصب حال وجملة يبدىء اللّه الخلق في محل نصب مفعول يروا لأنها علقت عن العمل بالاستفهام والرؤية قلبية والمراد بها العلم الصحيح الواضح لأنه كالرؤية البصرية، ثم يعيده كلام مستأنف أو هو كلام معطوف على أولم يروا وسبب امتناع عطفه على يبدىء لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته فلو كان معلوما لهم لكان تحصيلا للحاصل ولا يقال انه من قبيل عطف الخبر على الإنشاء لأن الاستفهام متضمن معنى الإنكار والتقرير فهو بمثابة الإخبار وإن واسمها وعلى اللّه متعلقان بيسير ويسير خبر إن.
{قُلْ سيرُوا في الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} الكلام حكاية قول إبراهيم لقومه أو حكاية قول اللّه لإبراهيم وسيروا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وفي الأرض متعلقان بسيروا، فانظروا عطف على سيروا وكيف حال وبدأ الخلق فعل وفاعل مستتر ومفعول به والجملة في محل نصب مفعول انظروا المعلقة بسبب الاستفهام.
{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشئُ النَّشْأَةَ الْآخرَةَ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلّ شيء قَدير} ثم حرف عطف واللّه مبتدأ وجملة ينشىء خبر والنشأة الآخرة نصب على المصدرية المحذوفة الزوائد والأصل الإنشاءة وقرىء النشاءة بالمد وهما لغتان كالرأفة والرآفة وإن واسمها وعلى كل شيء متعلقان بقدير وقدير خبر ان.
{يُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإلَيْه تُقْلَبُونَ} الجملة حالية أو خبر ثان لإن أو مستأنفة ويعذب فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو يعود على اللّه ومن مفعوله وجملة يشاء صلة من ويرحم من يشاء عطف على يعذب من يشاء وإليه متعلقان بتقلبون وتقلبون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل ومعنى تقلبون: تردون وترجعون.
{وَما أَنْتُمْ بمُعْجزينَ في الْأَرْض وَلا في السَّماء وَما لَكُمْ منْ دُون اللَّه منْ وَليٍّ وَلا نَصيرٍ} الواو عاطفة وما نافية حجازية وأنتم اسمها والخطاب لأهل الأرض والباء حرف جر زائد ومعجزين مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما وفي الأرض حال ومفعول معجزين محذوف للعلم به أي اللّه تعالى أي لا تفوتونه إن حاولتم الهرب من قضائه، ولا في السماء عطف على في الأرض أن حمل السماء على العلو فجائز، أي في البروج والقلاع الذاهبة في العلو، ويكون تخصيصا بعد تعميم وما نافية ولكم خبر مقدم ومن دون اللّه حال ومن ولي من حرف جر زائد وولي مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر ولا نصير عطف على من ولي.
{وَالَّذينَ كَفَرُوا بآيات اللَّه وَلقائه أُولئكَ يَئسُوا منْ رَحْمَتي} والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة وبآيات اللّه متعلقان بكفروا ولقائه عطف على آيات وأولئك مبتدأ وجملة يئسوا من رحمتي خبر أولئك وجملة أولئك يئسوا خبر الذين.
{وَأُولئكَ لَهُمْ عَذاب أَليم} وأولئك الواو عاطفة وأولئك مبتدأ ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وأليم صفة لعذاب وجملة لهم عذاب أليم خبر أولئك.

.البلاغة:

1- نكر الرزق في قوله: {لا يَمْلكُونَ لَكُمْ رزْقًا} ثم عرفه بقوله: {فابتغوا عند اللّه الرزق} لأن الأول مقصور عليهم فاستوجب أن يكون ضئيلا قليلا فنكره تدليلا على قلته وضآلته، ولما كان الثاني مبتغى عند اللّه استوجب أن يكون كثيرا لأنه كله عند اللّه فعرفه تدليلا على كثرته وجسامته.
2- الإضمار والإظهار:
في قوله: {أولم يروا كيف يبدىء اللّه الخلق ثم يعيده إن ذلك على اللّه يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم اللّه ينشىء النشأة الآخرة} فن قل من يتفطّن اليه لأنه دقيق للغاية ولا يجنح إليه الكاتب أو الشاعر إلا لفائدة تربو على البداهة وهي تعظيم شأن الأمر. ألا ترى أنه صرح باسمه تعالى في قوله: {ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} مع إيقاعه مبتدأ، وقد كان القياس أن يقول:
كيف بدأ اللّه الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة فأفصح باسمه بعد إضماره والفائدة في ذلك أنه لما كانت الإعادة عندهم من الأمور العظيمة وكان صدر الكلام واقعا معهم في الإبداء وقرر لهم أن ذلك من اللّه احتج عليهم بأن الاعادة إنشاء مثل الإبداء وإذا كان اللّه الذي لا يعجزه شيء هو الذي لا يعجزه الإبداء فوجب أن لا تعجزه الإعادة فللدلالة وللتنبيه على عظم هذا الأمر الذي هو الاعادة أبرز اسمه تعالى وأوقعه مبتدأ، والأصل في الكلام الأظهار ثم الإضمار ويليه لقصد التفخيم الإظهار بعد الإظهار ويليه وهو أفخم الثلاثة الإظهار بعد الإضمار كما في الآية.
وعلى هذا يقاس ما ورد من كلامهم كقول بعضهم يصف لقاء مع بني تميم قال:
ولما تلاقينا وبنو تميم أقبلوا نحونا يركضون فرأينا منهم أسودا ثكلا تسابق الأسنة إلى الورود، ولا ترتد على أعقابها إذا ارتدت أمثالها من الأسود وتناجد بنو تميم علينا بجملة فلذنا بالفرار واستبقنا إلى تولية الإدبار فإنه إنما قيل وتناجد بنو تميم مصرحا باسمهم ولم يقل وتناجدوا كما قيل أقبلوا للدلالة على التعجب من إقدامهم عند الحملة وثباتهم عند الصدمة لاسيما وقد أردف ذلك بقوله لذنا بالفرار، واستبقنا إلى تولية الأدبار كأنه قال: وتناجد أولئك الفرسان المشاهير، والفرسان الكماة المناكير وحملوا علينا حملة واحدة فولينا مدبرين منهزمين.
ولقد أشار الامام الرازي إلى هذه النكتة ولكنه أوردها موردا آخر ولذلك ننقل عبارته بنصها: أبرز اسم اللّه في الآية الأولى عند البدء حيث قال: كيف يبدىء اللّه الخلق وأضمره عند الإعادة، وفي هذه الآية أضمره عند البدء وأبرزه عند الإعادة حيث قال: ثم اللّه ينشىء النشأة لأنه في الآية الأولى لم يسبق ذكر اللّه بفعل حتى يسند اليه البدء فقال يبدىء اللّه ثم قال: ثم يعيده وفي الآية الثانية كان ذكر البدء مسندا إلى اللّه تعالى فاكتفى به وأما إظهاره عند الإنشاء ثانيا حيث قال: ثم اللّه ينشىء النشأة، فليقع في ذهن السامع كمال قدرته وعلمه وإرادته ولم يقل يعيده بل قال ينشىء للتنبيه على أن البدء يسمى نشأة كالإعادة والتغاير بينهما بالوصف حيث قالوا: نشأة أولى ونشأة ثانية.

.[سورة العنكبوت: الآيات 24- 27]:

{فَما كانَ جَوابَ قَوْمه إلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ منَ النَّار إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ (24) وَقالَ إنَّمَا اتَّخَذْتُمْ منْ دُون اللَّه أَوْثانًا مَوَدَّةَ بَيْنكُمْ في الْحَياة الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقيامَة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ ببَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ منْ ناصرينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقالَ إنّي مُهاجر إلى رَبّي إنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (26) وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا في ذُرّيَّته النُّبُوَّةَ وَالْكتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ في الدُّنْيا وَإنَّهُ في الْآخرَة لَمنَ الصَّالحينَ (27)}.

.الإعراب:

{فَما كانَ جَوابَ قَوْمه إلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ} الفاء عاطفة وما نافية وكان فعل ماض ناقص وجواب خبرها المقدم وإلا أداة حصر وأن قالوا مصدر مؤول هو اسم كان المؤخر أي قال بعضهم لبعض فكانوا جميعا في حكم القائلين، واقتلوه فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة مقول القول وأو حرف عطف وحرّقوه عطف على اقتلوه.
{فَأَنْجاهُ اللَّهُ منَ النَّار إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} الفاء الفصيحة أي فقذفوه في النار فأنجاه اللّه، وأنجاه اللّه فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر ومن النار متعلقان بأنجاه وإن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبرها المقدم واللام المزحلقة وآيات اسمها المؤخر ولقوم صفة لآيات وجملة يؤمنون صفة لقوم.
{وَقالَ إنَّمَا اتَّخَذْتُمْ منْ دُون اللَّه أَوْثانًا مَوَدَّةَ بَيْنكُمْ في الْحَياة الدُّنْيا} الواو عاطفة وقال عطف على أنجيناه وإنما كافة ومكفوفة واتخذتم فعل وفاعل ومن دون اللّم أو بمحذوف حال.
وهذه الآية شغلت المعربين كثيرا لاختلاف قراءاتها وتباين وجهات النظر فيها وقد ابتسرنا الكلام في الاعراب على قراءة حفص واخترنا أمثل الأوجه وأسهلها وسننقل في باب الفوائد غيضا من فيض مما قيل فيها شحذا للأذهان.
{ثُمَّ يَوْمَ الْقيامَة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ ببَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ثم حرف عطف للتراخي ويوم القيامة ظرف متعلق بيكفر وبعضكم فاعل وببعض متعلقان بيكفر أيضا ويلعن بعضكم بعضا فعل مضارع وفاعل ومفعول به.
{وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ منْ ناصرينَ} مأواكم مبتدأ أو خبر مقدم والنار خبر أو مبتدأ مؤخر والواو عاطفة وما نافية ولكم خبر مقدم ومن حرف جر زائد وناصرين مبتدأ مؤخر وهو مجرور لفظا.
{فَآمَنَ لَهُ لُوط وَقالَ إنّي مُهاجر إلى رَبّي إنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ} الفاء عاطفة وآمن فعل ماض ولوط فاعله وله متعلقان بآمن وقال عطف على فآمن وفاعله مستتر يعود على إبراهيم ولذلك يجب الوقف على لوط لأن قوله إني مهاجر مقول إبراهيم فلو وصل لتوهم أن الفعل الثاني للوط فيفسد المعنى وان واسمها ومهاجر خبرها وإلى ربي متعلقان بمهاجر أي إلى حيث يأمرني ربي، ففي الكلام مجاز، وان واسمها وهو ضمير فصل أو مبتدأ والعزيز خبر إني أو خبر هو والجملة خبر إني والحكيم خبر ثان.
{وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا في ذُرّيَّته النُّبُوَّةَ وَالْكتابَ} ووهبنا فعل وفاعل وله متعلقان بوهبنا واسحق مفعول به ويعقوب عطف عليه وجعلنا فعل وفاعل وفي ذريته في موضع المفعول الثاني والشجرة هي المفعول الأول والكتاب عطف على النبوة.
{وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ في الدُّنْيا وَإنَّهُ في الْآخرَة لَمنَ الصَّالحينَ} وآتيناه فعل وفاعل ومفعول به والواو عاطفة وأجره مفعول به ثان وفي الدنيا حال وانه وان واسمها وفي الآخرة حال واللام المزحلقة ومن الصالحين خبر إنه.

.الفوائد:

قدمنا لك أمثل الأوجه في إعراب قوله تعالى: {وقال إنما اتخذتم من دون اللّه أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا} ووعدناك أن ننقل شيئا مما قالوه فيها وكله من الكلام الجيد والمنطق الحصيف ونبدأ بما قاله الزمخشري قال: قرىء على النصب بغير إضافة وبإضافة وعلى الرفع كذلك، فالنصب على التعليل أي لتتوادوا بينكم وتتوصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تحابهم وتصادقهم، وأن يكون مفعولا ثانيا كقوله: {اتخذ إلهه هواه} أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف أو اتخذتموها مودة بينكم بمعنى مودودة بينكم.
كقوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون اللّه أندادا يحبونهم كحب اللّه} وفي الرفع وجهان: أن يكون خبرا لأن على أن ما موصولة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف والمعنى أن الأوثان مودة بينكم أي مودودة أو سبب مودة وعن عاصم: مودة بينكم بفتح بينكم مع الإضافة كما قرىء {لقد تقطع بينكم} ففتح وهو فاعل وقرأ ابن مسعود رضي اللّه عنه {أوثانا إنما مودة بينكم في الحياة الدنيا} أي إنما تتوادون عليها أو تودونها في الحياة الدنيا.
وقال الشهاب الحلبي المعروف بالسمين: {وقال إنما اتخذتم} في ما هذه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف وهو المفعول الأول وأوثانا مفعول ثان والخبر مودة في قراءة من رفع كما سيأتي والتقدير إن الذي اتخذتموه أوثانا مودة أي ذو مودة أو جعل نفس المودّة مبالغة ومحذوف على قراءة من نصب مودة أي الذي اتخذتموه أوثانا لأجل المودة لا ينفعكم أو يكون عليكم لدلالة قوله ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض.
والثاني: أن تجعل ما كافة وأوثانا مفعول به والاتخاذ هنا متعد لواحد أو لاثنين والثاني هو من دون اللّه فمن رفع مودة كانت خبر مبتدأ مضمر أي هي مودة أي ذات مودة أو جعلت نفس المودة مبالغة والجملة حينئذ صفة لأوثانا أو مستأنفة ومن نصب كان مفعولا له أو بإضمار أعني.
الثالث: أن تجعل ما مصدرية وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول أي إن سبب اتخاذكم أوثانا مودة فيمن رفع مودة ويجوز أن لا يقدر بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة وفي قراءة من نصب يكون الخبر محذوفا على ما مر في الوجه الأول وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي برفع مودة غير منونة وجر بينكم ونافع وابن عامر وأبو بكر بنصب مودة منونة ونصب بينكم وحمزة وحفص بنصب مودة غير منونة وجر بينكم فالرفع قد تقدم والنصب أيضا تقدم فيه وجهان ويجوز وجه ثالث وهو أن يجعل مفعولا ثانيا على المبالغة للاتساع في الظرف ومن نصبه فعلى أصله ونقل عن عاصم أنه رفع مودة غير منونة ونصب بينكم وخرجت على إضافة مودة للظرف وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن كقراءة {لقد تقطع بينكم} بالفتح إذا جعلنا بينكم فاعلا.
وفي كتاب أبي البقاء جاء قوله تعالى: {إنما اتخذتم} في ما ثلاثة أوجه أحدها هي بمعنى الذي والعائد محذوف أي اتخذتموه و{أوثانا} مفعول ثان أو حال و{مودة} الخبر على قراءة من رفع والتقدير ذو مودة والثاني هي كافة وأوثانا مفعول ومودة بالنصب مفعول له وبالرفع على إضمار مبتدأ وتكون الجملة نعتا لأوثان ويجوز أن يكون النصب على الصفة أيضا أي ذوي مودة والوجه الثالث أن تكون ما مصدرية ومودة بالرفع الخبر ولا حذف في هذا الوجه في الخبر بل في اسم أن والتقدير أن سبب اتخاذكم مودة ويقرأ مودة بالإضافة في الرفع والنصب و{بينكم} بالجر وبتنوين مودة في الوجهين جميعا ونصب بين وفيما يتعلق به {في الحياة الدنيا} سبعة أوجهلاول: أن يتعلق باتخذتم إذا جعلت ما كافة لا على الوجهين الآخرين لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر.
والثاني: أن يتعلق بنفس مودة إذا لم تجعل بين صفة لها لأن المصدر إذا وصف لا يعمل.
والثالث: أن تعلقه بنفس بينكم لأن معناه اجتماعكم أو وصلكم.
والرابع: أن تجعله صفة ثانية لمودة إذا نونتها وجعلت بينكم صفة.
والخامس: أن تعلقها بمودة وتجعل بينكم ظرف مكان فيعمل مودة فيهما.
السادس: أن تجعله حالا من الضمير في بينكم إذا جعلته وصفا لمودة.
والسابع: أن تجعله حالا من بينكم لتعرفه بالإضافة وأجاز قوم منهم أن تتعلق في بمودة: وإن كان بينكم صفة لأن الظروف يتسع فيها بخلاف المفعول به.